رغم ما حذّر منه المحللون في بداية العام من احتمالات الانكماش، باغت التنين الأسيوي العالم، بعد أن سجل النمو الاقتصادي الصيني نموا 5.2% خلال الربع الثاني من 2025، متجاوزًا التوقعات التي كانت تشير إلى 5.1%. هذا الأداء جاء رغم استمرار الرسوم الجمركية الأميركية والتقلبات العالمية، ما دفع البعض إلى التساؤل: هل نحن أمام متانة حقيقية في ثاني أكبر اقتصاد في العالم… أم مجرّد انتعاشة مؤقتة قبل التباطؤ الكبير؟

مؤشرات القوة: أرقامٌ أعلى من المستهدف
ما يدعو للتفاؤل هو أن هذا النمو يتجاوز الهدف الرسمي البالغ 5%، وهو ما أرجعه المحللون جزئيًا إلى “الشحن المبكر للصادرات” والتحفيز المتواصل من الدولة. على المستوى الفصلي، سجل الناتج المحلي نموًا بنسبة 1.1%، متقدمًا على التوقعات البالغة 0.9%، وهو ما يشير إلى زخم نسبي في الأداء الصناعي والتجاري حتى يونيو/حزيران.
مفارقة “النمو في ظل الضعف”: حقيقة أم وهم؟
ورغم هذا الأداء، لا يُخفي الخبراء قلقهم من أن النصف الثاني من العام قد يحمل انعطافة مقلقة. إذ تلوح في الأفق إشارات متزايدة على:
-
تراجع في الأسعار (الانكماش)
-
ضعف ثقة المستهلك
-
انخفاض تدريجي في الصادرات
-
ضبابية مشهد الرسوم الأميركية المقبلة
كما حذّر الخبير الاقتصادي لين سونغ من أن “ما ساعد الاقتصاد في البداية لن يكون كافيًا في المراحل التالية”، مشيرًا إلى احتمال تصاعد الضغوط في أغسطس/آب مع قرب استحقاقات جمركية جديدة من الجانب الأميركي.
ما الذي يجعل النصف الثاني أكثر هشاشة؟
-
التحفيز المالي يفقد زخمه:
رغم الإنفاق الكبير على البنية التحتية وخفض الفائدة، بدأت مفاعيل هذه الأدوات بالتراجع. ويرى مراقبون أن التحفيز وحده “لن يكون كافيًا” لمواجهة عوامل الانكماش المتجذرة في هيكل الاقتصاد الصيني. -
أسعار المنتجين إلى القاع:
انخفضت الأسعار بأسرع وتيرة منذ عامين، ما يُنذر بتآكل هوامش الربحية وتراجع استثمارات القطاع الخاص. -
ضعف الطلب العالمي:
فمع استمرار الفتور في الاقتصادات الغربية، يُتوقع أن تفقد صادرات الصين – وهي محرك أساسي لنموها – المزيد من الزخم.
هل يعكس النمو الحالي تعافيًا مستدامًا؟
ببساطة، لا. بل يرى اقتصاديون أن “الضوء الأخضر الظاهري” يخفي وراءه سحابة داكنة تلوح في الأفق، خصوصًا إذا فشلت بكين في ضخ أدوات مبتكرة لتحفيز الاستهلاك المحلي ومواجهة الانكماش الصناعي المتوقع.
ترقّب السياسات المقبلة: كل الأنظار على الحزب الشيوعي
في نهاية يوليو/تموز، يعقد المكتب السياسي للحزب الشيوعي اجتماعه الحاسم الذي سيحدد السياسات الاقتصادية لبقية العام. وهو اجتماع يُنظر إليه كمؤشر رئيسي على توجهات بكين:
-
هل ستواصل سياسة “الضخ المالي المتدرج”؟
-
أم ستُفاجئ الأسواق بإجراءات توسعية غير تقليدية؟
النمو الاقتصادي الصيني : نجاح في الربع الثاني… ولكن
صحيح أن الصين تفوقت على التوقعات هذا الربع، لكن استمرار هذا الأداء غير مضمون. فبدون استعادة ثقة المستهلكين، واستقرار التصدير، وتهدئة المواجهة التجارية مع واشنطن، فإن الاقتصاد قد يُصاب بما هو أسوأ من التباطؤ: الجمود البنيوي.
النمو الاقتصادي الصيني تجاوز الخطر مؤقتًا، لكن المؤشرات البنيوية تقول إن العاصفة لم تبدأ بعد.
التعليقات ( 0 )